فصل: قال التستري:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال التستري:

قوله تعالى: {فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدين} [122] قال: ليتعلموا ما يحتاج إليه في أمر الدين.
وقد حكي عن الحسن البصري أنه قال: الفقيه الزاهد في الدنيا، الراغب في الآخرة، البصير في أمر دينه.
وسئل سهل عن معنى قوله صلى الله عليه وسلم: «طلب العلم فريضة على كل مسلم»، فقال: يعني علم الحال.
قيل: وما علم الحال؟ قال: من الباطن الإخلاص، ومن الظاهر الاقتداء، فمن لم يكن ظاهره إمام باطنه، وباطنه كمال ظاهره فهو في تعب من البدن.
قيل: وما تفسير ذلك؟ قال: إن الله قائم عليك في سرك وعلانيتك وحركاتك وسكونك لا تغيب عنه طرفة عين، كما قال: {أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ على كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ} [الرعد: 33].
وقال: {مَا يَكُونُ مِن نجوى ثَلاَثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ} [المجادلة: 7] الآية، وقال: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الوريد} [ق: 16] وهو العرق الذي في جوف القلب، فأخبر أنه أقرب إلى القلب من ذلك العرق.
فإذا علمت ذلك، ينبغي أن تستحي منه، وما هاج في القلب شيء مما تهوى النفس.
فذكر العبد قيام الله عزَّ وجلَّ عليه، فتركه إلاَّ دخل قلبه من علم حاله ما لو قسم ما أعطى ذلك العبد على أهل المدينة لسعدوا جميعًا وفازوا به، وقد أشار إليه مالك بن أنس رضي الله عنهما حيث قال: ليس العلم بكثرة الرواية، إنما العلم نور يجعله الله في القلب.
قيل له: كيف يعرف الرجل الحال والعلم به؟ فقال: إذا كنت تتكلم فحالك الكلام، وإذا سكت فحالك السكوت، وإذا قمت فحالك القيام، وإذا قعدت فحالك القعود، والعلم به أن تنظر أن هذا الحال لله أو لغيره، فإن كانت لله استقرت عليها، وإن كانت لغيره تركتها، وهو المحاسبة التي أمر بها عمر رضي الله عنه حيث قال: حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا.
وقد كان عمر رضي الله عنه يضرب نفسه بالدرة في المحاسبة. اهـ.

.تفسير الآية رقم (123):

قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (123)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما علمت المقاصد وتهيأت القلوب لقبول الفوائد، وأمر بالإنذار بالفقه، وكان من الناس من لا يرجع إلا بشديد البأس، أقبل على الكل مخاطبًا لهم بأدنى أسنان القلوب ليتوجه إلى الأدنى ويتناول الأعلى منه من باب الأولى فقال: {يا أيها الذين آمنوا} أي ادَّعوا بألسنتهم الإيمان {قاتلوا} أي تصديقًا لدعواكم ذلك {الذين يلونكم} أي يقربون منكم {من الكفار} فالذين يلونهم إن لم تروا غيره أصلح لمعنى يعرض لما في ذلك من حسن الترتيب ومقتضى الحكمة ولأن الجهاد معروف وإحسان، والأقربون أولى بالمعروف، ولتبعدوا العدو عن بلادكم فيكثر صلاحهم ويقل فسادكم وتكونوا قد جمعتم بالتفقه والقتال بين الجهادين: جهاد الحجة وجهاد السيف مع الاحتراس بهذا الترتيب من أن يبقى وراءكم إذا قاتلتم من تخشون كيده.
ولما كانت الملاينة أولى بالمسالمة، والمخاشنة أولى بالمصارمة، قال: {وليجدوا} من الوجدان {فيكم غلظة} أي شدة وحمية لأن ذلك أهيب في صدورهم.
وأكف عن فجورهم، وحقيقة الغلطة في الأجسام، استعيرت هنا للشدة في الحرب، وهي تجمع الجراءة والصبر على القتال وشدة العدواة، فإذا فعلوا ذلك كانوا جامعين بين جهاد الحجة والسيف كما قيل:
من لا يعدله القرآن كان له ** من الصغار وبيض الهند تعديل

نبه على ذلك أبو حيان.
ولما كان التقدير: وليكن كل ذلك مع التقوى لا بسبب مال ولا جاه فإنها ملاك الأمر كله، قال منبهًا على ذلك بقوله: {واعلموا أن الله} أي الذي له الكمال كله {مع المتقين} فلا تخافوا أن يؤدي شيء من مصاحبتها إلى وهن فإن العبرة بمن كان الله معه. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً}
اعلم أنه نقل عن الحسن أنه قال: هذه الآية نزلت قبل الأمر بقتال المشركين كافة، ثم إنها صارت منسوخة بقوله: {قَاتَلُواْ المشركين كَافَّةً} [التوبة: 36] وأما المحققون فإنهم أنكروا هذا النسخ وقالوا: إنه تعالى لما أمر بقتال المشركين كافة أرشدهم في ذلك الباب إلى الطريق الأصوب الأصلح، وهو أن يبتدؤا من الأقرب فالأقرب، منتقلًا إلى الأبعد فالأبعد.
ألا ترى أن أمر الدعوة وقع على هذا الترتيب قال تعالى: {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقربين} [الشعراء: 214] وأمر الغزوات وقع على هذا الترتيب لأنه عليه السلام حارب قومه، ثم انتقل منهم إلى غزو سائر العرب ثم انتقل منهم إلى غزو الشام، والصحابة رضي الله عنهم لما فرغوا من أمر الشأم دخلوا العراق.
وإنما قلنا: إن الابتداء بالغزو من المواضع القريبة أولى لوجوه: الأول: أن مقابلة الكل دفعة واحدة متعذرة، ولما تساوى الكل في وجوب القتال لما فيهم من الكفر والمحاربة وامتنع الجمع، وجب الترجيح، والقرب مرجح ظاهر كما في الدعوة، وكما في سائر المهمات، ألا ترى أن في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الابتداء بالحاضر أولى من الذهاب إلى البلاد البعيدة لهذا المهم، فوجب الابتداء بالأقرب.
والثاني: أن الابتداء بالأقرب أولى لأن النفقات فيه أقل، والحاجة إلى الدواب والآلات والأدوات أقل.
الثالث: أن الفرقة المجاهدة إذا تجاوزوا من الأقرب إلى الأبعد فقد عرضوا الذراري للفتنة.
الرابع: أن المجاورين لدار الإسلام إما أن يكونوا أقوياء أو ضعفاء، فإن كانوا أقوياء كان تعرضهم لدار الإسلام أشد وأكثر من تعرض الكفار المتباعدين، والشر الأقوى الأكثر أولى بالدفع، وإن كانوا ضعفاء كان استيلاء المسلمين عليهم أسهل، وحصول عز الإسلام لسبب انكسارهم أقرب وأيسر، فكان الابتداء بهم أولى.
الخامس: أن وقوف الإنسان على حال من يقرب منه أسهل من وقوفه على حال من يبعد منه، وإذا كان كذلك كان اقتدار المسلمين على مقاتلة الأقربين أسهل لعلمهم بكيفية أحوالهم وبمقادير أسلحتهم وعدد عساكرهم.
السادس: أن دار الإسلام واسعة، فإذا اشتغل أهل كل بلد بقتال من يقرب منهم من الكفار كانت المؤنة أسهل، وحصول المقصود أيسر.
السابع: أنه إذا اجتمع واجبان وكان أحدهما أيسر حصولًا وجب تقديمه، والقرب سبب السهولة، فوجب الابتداء بالأقرب.
الثامن: أنا بينا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ابتدأ في الدعوة بالأقرب فالأقرب، وفي الغزو بالأقرب فالأقرب، وفي جميع المهمات كذلك.
فإن الأعرابي لما جلس على المائدة وكان يمد يده إلى الجوانب البعيدة من تلك المائدة قال عليه السلام له: «كل مما يليك» فدلت هذه الوجوه على أن الابتداء بالأقرب فالأقرب واجب.
فإن قيل: ربما كان التخطي من الأقرب إلى الأبعد أصلح، لأن الأبعد يقع في قلبه أنه إنما جاوز الأقرب لأنه لا يقيم له وزنًا.
قلنا: ذاك احتمال واحد، وما ذكرنا احتمالات كثيرة، ومصالح الدنيا مبنية على ترجيح ما هو أكثر مصلحة على ما هو الأقل، وهذا الذي قلناه إنما قلناه إذا تعذر الجمع بين مقاتلة الأقرب والأبعد، أما إذا أمكن الجمع بين الكل، فلا كلام في أن الأولى هو الجمع، فثبت أن هذه الآية غير منسوخة ألبتة.
وأما قوله تعالى: {وَلِيَجِدُواْ فِيكُمْ غِلْظَةً} قال الزجاج: فيها ثلاث لغات، فتح الغين وضمها وكسرها.
قال صاحب الكشاف: الغلظة بالكسر الشدة العظيمة، والغلظة كالضغطة، والغلظة كالسخطة، وهذه الآية تدل على الأمر بالتغليظ عليهم، ونظيره قوله تعالى: {واغلظ عَلَيْهِمْ} [التوبة: 73] وقوله: {وَلاَ تَهِنُواْ} [آل عمران: 139]، [النساء: 104] وقوله في صفة الصحابة- رضي الله عنهم-: {أَعِزَّةٍ عَلَى الكافرين} [المائدة: 54] وقوله: {أَشِدَّاء عَلَى الكفار} [الفتح: 29] وللمفسرين عبارات في تفسير الغلظة، قيل شجاعة وقيل شدة وقيل غيظًا.
واعلم أن الغلظة ضد الرقة، وهي الشدة في إحلال النقمة، والفائدة فيها أنها أقوى تأثيرًا في الزجر والمنع عن القبيح، ثم إن الأمر في هذا الباب لا يكون مطردًا، بل قد يحتاج تارة إلى الرفق واللطف وأخرى إلى العنف، ولهذا السبب قال: {وَلِيَجِدُواْ فِيكُمْ غِلْظَةً} تنبيهًا على أنه لا يجوز الاقتصار على الغلظة ألبتة فإنه ينفر ويوجب تفرق القوم، فقوله: {وَلِيَجِدُواْ فِيكُمْ غِلْظَةً} يدل على تقليل الغلظة، كأنه قيل لابد وأن يكونوا بحيث لو فتشوا على أخلاقكم وطبائعكم لوجدوا فيكم غلظة، وهذا الكلام إنما يصح فيمن أكثر أحواله الرحمة والرأفة، ومع ذلك فلا يخلو عن نوع غلظة.
واعلم أن هذه الغلظة إنما تعتبر فيما يتصل بالدعوة إلى الدين.
وذلك إما بإقامة الحجة والبينة، وإما بالقتال والجهاد، فإما أن يحصل هذا التغليظ فيما يتصل بالبيع والشراء والمجالسة والمؤاكلة فلا.
ثم قال: {واعلموا أَنَّ الله مَعَ المتقين} والمراد أن يكون إقدامه على الجهاد والقتال بسبب تقوى الله، لا بسبب طلب المال والجاه، فإذا رآه قبل الإسلام أحجم عن قتاله، وإذا رآه مال إلى قبوله الجزية تركه، وإذا كثر العدو أخذ الغنائم على وفق حكم الله تعالى. اهـ.

.قال الجصاص:

قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنْ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً}
خَصَّ الْأَمْرَ بِالْقِتَالِ لِلَّذِينَ يَلُونَهُمْ مِنْ الْكُفَّارِ، وَقَالَ فِي أَوَّلِ السُّورَةِ: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً} فَأَوْجَبَ قِتَالَ جَمِيعِ الْكُفَّارِ، وَلَكِنَّهُ خَصَّ بِالذِّكْرِ الَّذِينَ يَلُونَنَا مِنْ الْكُفَّارِ؛ إذْ كَانَ مَعْلُومًا أَنَّهُ لَا يُمَكِّنُنَا قِتَالُ جَمِيعِ الْكُفَّارِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ وَأَنَّ الْمُمْكِنَ مِنْهُ هُوَ قِتَالُ طَائِفَةٍ فَكَانَ مِنْ قَرُبَ مِنْهُمْ، أَوْلَى بِالْقِتَالِ مِمَّنْ بَعُدَ؛ لِأَنَّ الِاشْتِغَالَ بِقِتَالِ مَنْ بَعُدَ مِنْهُمْ مَعَ تَرْكِ قِتَالِ مَنْ قَرُبَ لَا يُؤْمَنُ مَعَهُ هَجْمُ مَنْ قَرُبَ عَلَى ذَرَارِيِّ الْمُسْلِمِينَ وَنِسَائِهِمْ وَبِلَادِهِمْ إذَا خَلَتْ مِنْ الْمُجَاهِدِينَ، فَلِذَلِكَ أَمَرَ بِقِتَالِ مَنْ قَرُبَ قَبْلَ قِتَالِ مَنْ بَعُدَ، وَأَيْضًا لَا يَصِحُّ تَكْلِيفُ قِتَالِ الْأَبْعَدِ؛ إذْ لَا حَدَّ لِلْأَبْعَدِ يُبْتَدَأُ مِنْهُ الْقِتَالُ كَمَا لِلْأَقْرَبِ.
وَأَيْضًا فَغَيْرُ مُمْكِنٍ الْوُصُولُ إلَى قِتَالِ الْأَبْعَدِ إلَّا بَعْدَ قِتَالِ مَنْ قَرُبَ وَقَهْرِهِمْ وَإِذْلَالِهِمْ فَهَذِهِ الْوُجُوهُ كُلُّهَا تَقْتَضِي تَخْصِيصَ الْأَمْرِ بِقِتَالِ الْأَقْرَبِ.
وقوله تعالى: {وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً} فِيهِ أَمْرٌ بِالْغِلْظَةِ عَلَى الْكُفَّارِ الَّذِينَ أَمَرَ بِقِتَالِهِمْ فِي الْقَوْلِ، وَالْمُنَاظَرَةِ وَالرِّسَالَةِ؛ إذْ كَانَ ذَلِكَ يُوقِعُ الْمَهَابَةَ لَنَا فِي صُدُورِهِمْ وَالرُّعْبَ فِي قُلُوبِهِمْ وَيَسْتَشْعِرُونَ مِنَّا بِهِ شِدَّةَ الِاسْتِبْصَارِ فِي الدِّينِ، وَالْجِدِّ فِي قِتَالِ الْمُشْرِكِينَ، وَمَتَى أَظْهَرُوا لَهُمْ اللِّينَ فِي الْقَوْلِ، وَالْمُحَاوَرَةَ اسْتَجْرَءُوا عَلَيْهِمْ وَطَمِعُوا فِيهِمْ، فَهَذَا حَدُّ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ السِّيرَةِ فِي عَدُوِّهِمْ آخِرَ سُورَةِ التَّوْبَةِ. اهـ.

.قال ابن العربي:

قَوْله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنْ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ}.
قَدْ قَدَّمْنَا الْإِشَارَةَ إلَى أَنَّ اللَّهَ أَمَرَ بِأَوَامِرَ مُتَعَدِّدَةٍ مُخْتَلِفَةِ الْمُتَعَلِّقَاتِ، فَقَالَ: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ}.
وَقَالَ: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ}.
وَقَالَ: {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً}.
وَقَالَ: {قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ}.
وَهَذَا كُلُّهُ صَحِيحٌ مُنَاسِبٌ، وَالْمَقْصُودُ قِتَالُ جَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ لِجَمِيعِ الْكُفَّارِ، وَقِتَالُ الْكُفَّارِ أَيْنَمَا وُجِدُوا، وَقِتَالُ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ جُمْلَتِهِمْ، وَهُمْ الرُّومُ، وَبَعْضُ الْحُبْشَانِ، وَذَلِكَ إنَّمَا يَتَكَيَّفُ لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: بِالِابْتِدَاءِ مِمَّنْ يَلِي، فَيُقَاتِلُ كُلُّ وَاحِدٍ مَنْ يَلِيهِ، وَيَتَّفِقُ أَنْ يَبْدَأَ الْمُسْلِمُونَ كُلُّهُمْ بِالْأَهَمِّ مِمَّنْ يَلِيهِمْ، أَوْ الَّذِينَ يُتَيَقَّنُ الظَّفَرُ بِهِمْ.
وَقَدْ سُئِلَ ابْنُ عُمَرَ بِمَنْ نَبْدَأُ بِالرُّومِ أَوْ بِالدَّيْلَمِ؟ فَقَالَ: بِالرُّومِ.
وَقَدْ رُوِيَ فِي الْأَثَرِ: «اُتْرُكُوا الرَّابِضِينَ مَا تَرَكُوكُمْ» يَعْنِي الرُّومَ وَالْحَبَشَ.
وَقَوْلُ ابْنِ عُمَرَ أَصَحُّ، وَبُدَاءَتُهُ بِالرُّومِ قَبْلَ الدَّيْلَمِ لِثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّهُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ؛ فَالْحُجَّةُ عَلَيْهِمْ أَكْثَرُ وَآكَدُ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُمْ إلَيْنَا أَقْرَبُ، أَعْنِي أَهْلَ الْمَدِينَةِ.
الثَّالِثُ: أَنَّ بِلَادَ الْأَنْبِيَاءِ فِي بِلَادِهِمْ أَكْثَرُ، فَاسْتِنْقَاذُهَا مِنْهُمْ أَوْجَبُ. اهـ.